كتاب من أهم دواوين السنة اشتمل على عدد من النصوص المسندة، رتبها المصنف تحت عدة كتب كل كتابٍ تحته أبواب، ويمكن تلخيص منهجه على النحو التالي: يذكر المصنف للنص الواحد عددًا من الطرق في مكان واحد، ويشير أيضا إلى العلل الواقعة في بعض الأسانيد، ولاسيما المخالفات والموافقات في الطرق والألفاظ، وكذلك يشير إلى ما وقع من النسخ في العمل ببعض النصوص في تراجم الأبواب، وقد انفرد المصنف بقدر كبير من الأحاديث عن باقي الكتب الخمسة، منها ما هو ثابت، وما ليس كذلك، وقد تضمنت هذه النصوص الثابتة أصولًا مهمة من أصول الدين، وقد زاد المؤلف بعض الأبواب وبعض النصوص في «السنن الصغرى» ليست في «الكبرى»، ضمَّن المؤلفُ هذا الكتاب كتبا لا تكون عادة في كتب السنن، ككتاب الفضائل، وكتاب التفسير، وغيرها، وهذه محلها في الجوامع وكتب الصحاح وما أشبهها؛ لذا لم يتعرض لها في المجتبى، ومما ينبغي التنبه إلى أن كتاب «الإيمان» الموجود في «الكبرى» ليس من عمل المؤلف في هذا الكتاب؛ بل إن المحقق نقله من «الصغرى» إكمالًا للفائدة، وثمة راو يذكره المؤلف في الصغرى بلا تمييز له عمن شاركه في الاسم والشيخ أو نحو ذلك، تجده في الكبرى مميزًا بما يرفع الإشكال، ويزيل اللبس.
يعد هذا الكتاب من أجمع الكتب التي تناولت نصوص الأحكام بكافة صورها المرفوعة وغير المرفوعة، حيث رتبه المصنف على الأبواب الفقهية، وأورد تحت كل باب ما يناسبه من نصوص، وذكر النص بسنده، وبين وجوه الخلاف في الرواية، وبين علل الأحاديث التي يرويها، وما يصح منها، وما لا يصح، وبين غريب الألفاظ، وقام ببيان وجوه التعارض الظاهري بين النصوص، واعتمد فيه طريقة الكتب والأبواب، كما يبين المصنف وجوه الخلاف في الرواية، ويحكم على رواة النصوص في أحيان كثيرة، ويبين علل الأحاديث التي يرويها، وما صحَّ منها وما لا يصح، ويبين وجوه الاستدلال المختلفة فيما يتعرض له من أحاديث، ويخرج نصوص الكتاب، مع عزوها إلى من أخرجها من الأئمة، ويذكر من سند هذا المخرج القدر الذي يلتقي به مع سند الحديث عنده، ويبين خلاف الألفاظ في بعض الروايات.
1- اشتمل الكتاب على الصحيح والحسن وهو الأكثر واشتمل على الضعيف أيضا، ولهذا ينبغي التأكد عند العزو إليه وعند الاستفادة منه في العمل والبحث، ولا بد من عرض أحاديثه على قواعد الجرح والتعديل. 2- عني بذكر الطرق واختلاف الألفاظ وزيادات المتون. 3- ركز أبو داود عنايته على جمع الأحاديث التي استدل بها فقهاء الأمصار. 4- انتقى في كل باب مجموعة قليلة من الأحاديث خشية الإطالة. 5- لا يكرر الحديث إلا إذا اشتمل على زيادة مهمة. 6- قد يختصر أبو داود بعض الأحاديث للتركيز على موضع الاستدلال. 7- كثيرا ما يشير إلى العلل الواردة في الأحاديث. 8- قد يحكم أبو داود على الحديث، وكثيرا ما يسكت عن ذلك، قال في رسالته لأهل مكة في وصف سننه: «وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض»، ومن العلماء من قال: إن ما سكت عنه أبو داود صحيح، ومنهم من قال: إنه حسن، والصواب عدم القطع بحكم عام في ذلك، وإنما يجب دراسة أسانيدها والحكم عليها في ضوء قواعد الجرح والتعديل.
جمع أبو داود في كتابه هذا جملة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد بلغت أحاديثه 5274 حديثـًا ، وكتابه السنن صنفه وانتقاه من خمسمائة ألف حديث . وقد وجه أبو داود همه في هذا الكتاب إلى جمع الأحاديث التي استدل بها الفقهاء ، ودارت بينهم ، وبنى عليها الأحكام علماء الأمصار ، وتسمى هذه الأحاديث أحاديث الأحكام وقد قال المؤلف في رسالته لأهل مكة : فهذه الأحاديث أحاديث السنن كلها في الأحكام ، فأما أحاديث كثيرة في الزهد والفضائل ، وغيرها من غير هذا فلم أخرجها . وقد رتب كتابه على الكتب ، وقسم كل كتاب إلى أبواب ، وترجم على كل حديث بما قد استنبط منه عالم وذهب إليه ذاهب . وعدد كتبه 35 كتابـًا ، ومجموع عدد أبوابه 1871 بابـًا . والكتاب فيه الأحاديث المرفوعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والأحاديث الموقوفة على الصحابة ، والآثار المنسوبة إلى علماء التابعين . درجة أحاديثه : أمَّا عن مدى صحة أحاديث سنن أبي داود ، فقد قال أبو داود في ذلك : ذكرت فيه الصحيح وما يشابهه ويقاربه ، وما كان فيه وهن شديد بينته ، وما لم أذكر فيه شيئـًا فهو صالح ، وبعضها أصح من بعض . وقد اختلفت الآراء في قول أبي داود: " وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح " هل يستفاد منه أن ما سكت عليه في كتابه هل هو صحيح أم حسن؟. وقد اختار ابن الصلاح والنووي وغيرهما أن يحكم عليه بأنه حسن ، ما لم ينص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن وقد تأمل العلماء سنن أبي داود فوجدوا أن الأحاديث التي سكت عنها متنوعة ؛ فمنها الصحيح المخرج في الصحيحين، ومنها صحيح لم يخرجاه، ومنها الحسن، ومنها أحاديث ضعيفة أيضًا لكنها صالحة للاعتبار ، ليست شديدة الضعف ، فتبين بذلك أن مراد أبي داود من قوله " صالح " المعنى الأعم الذي يشمل الصحيح والحسن، ويشمل ما يعتبر به ويتقوى لكونه يسير الضعف. وهذا النوع يعمل به لدى كثير من العلماء، مثل أبي داود وأحمد والنسائي، وإنه عندهم أقوى من رأي الرجال. وإذا نظرنا في كتابه نجده يعقب على بعض الأحاديث ويبين حالها ، وكلامه هذا يعتبر النواة الصالحة التي تفرع عنها علم الجرح والتعديل فيما بعد ؛ وأصبح بابـًا واسعـًا في أبواب مصطلح الحديث.
1- كان المتقدمون يعدون الكتب الأصول خمسة: الصحيحين وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، ثم ألحق بها سنن ابن ماجه لما فيه من الفقه وحسن الترتيب، ولما فيه من الزوائد على الكتب الخمسة الأصول، واستقر الأمر على ذلك في كتب الأطراف والرجال. ومن العلماء من جعل سادس الأصول الستة: موطأ الإمام مالك لقوة أحاديثه، بينما يرى ابن حجر أن الأولى بذلك سنن الدارمي لقلة الرجال الضعفاء فيه ولندرة الأحاديث الشاذة والمنكرة. 2- يمتاز سنن ابن ماجه بدقة الترتيب وكثرة الأبواب، وتناسبها مع ما اشتملت عليه من الفقه، وعدد كتبه (37) كتابا، وعدد أبوابه (1500) باب. 3- سنن ابن ماجه أنزل الكتب الستة مكانة لاحتوائه على نسبة كبيرة من الأحاديث الضعيفة تقارب السبع، بالإضافة إلى وجود بعض المناكير والموضوعات القليلة. 4- يبلغ عدد أحاديثه (4341) حديثا، منها (3002) حديث وردت في الكتب الخمسة أو بعضها، أما زياداته على الخمسة فهي (1339) حديثا، منها (428) حديثا صحيحا، و(613) حديثا ضعيفا، و(99) حديثا ما بين واهية الإسناد أو منكرة موضوعة.
اشتهر سنن الدارمي عند المحدثين بـ(المسند ) على خلاف اصطلاحهم. قال السيوطي في التدريب: "ومسند الدارمي ليس بمسند، بل هو مرتب على الأبواب ". والمسند يكون مرتباً على أسماء الصحابة، فإطلاق المسند على سنن الدارمي فيه تجَوُّز، والأولى أن يطلق عليه لفظ السنن، لأن السنن في اصطلاحهم: الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية من الإيمان والطهارة والصلاة والزكاة إلى آخرها .. وليس فيها شيء من الموقوف، لأن الموقوف لا يسمى في اصطلاحهم سنة، بل يسمى حديثاً. قال العراقي: "اشتهر تسميته بالمسند كما سمى البخاري كتابه بالمسند، لكون أحاديثه مسندة ". قال: "إلا أن فيه المرسل والمعضل والمنقطع والمقطوع كثيراً ". وعن الشيخ العلائي أنه قال: "لو قدم مسند الدارمي بدل ابن ماجه فكان سادساً لكان أولى ". قال بعضهم: "كتاب الدارمي أحرى وأليق بجعله سادساً للكتب لأن رجاله أقل ضعفاً، ووجود الأحاديث المنكرة والشاذة نادرة فيه، وله أسانيد عالية، وثلاثياته أكثر من ثلاثيات البخاري ".
اشتمل هذا الكتاب على(3455) نصًا مسندًا، رتبها المؤلف تحت عدد من الكتب، أدرج تحت كل كتاب عدد من الأبواب. وقد قدم بين يدي الكتاب بمقدمة احتوت على عدة أبواب في الشمائل النبوية، وفي اتباع السنة، وفي آداب الفتيا، وفي فضل العلم. ثم شرع في الكتب على الترتيب المعتاد الطهارة، فالصلاة، فالزكاة، فالصوم..إلخ, ثم ختم بكتاب فضائل القرآن. والمؤلف يورد المرفوع والموقوف والمقطوع، والمتصل والمنقطع، والصحيح، والضعيف، والمتواتر، والباطل والموضوع، كل هذا يورده بسنده دون التعرض لنقد الأسانيد أو انتقاء الثابت مكتفيًا بأن من أسند لك فقد أحالك.
قد وضع النسائي كتابًا كبيرًا جدًا حافلاً عرف بالسنن الكبرى ، وهذا الكتاب (المجتبى) المشهور بسنن النسائي منتخب منه ، وقد قيل : إن اسمه (المجتنى) بالنون . وكتاب (المجتبى) هذا يسير على طريقة دقيقة تجمع بين الفقه وفن الإسناد ، فقد رتب الأحاديث على الأبواب ، ووضع لها عناوين تبلغ أحيانًا منزلة بعيدة من الدقة ، وجمع أسانيدالحديث الواحد في موطن واحد . وقد جمع النسائي في كتابه أحاديث الأحكام ، وقسمه إلى كتب، وعدد كتبه 58 كتابـًا، وقسم كل كتاب إلى أبواب ، ولم يفعل فعل أبي داود والترمذي في الكلام على بعض الأحاديث بالتضعيف ، كما لم يتكلم على شيء من رجال الحديث بالجرح والتعديل ، ولم ينقل شيئـًا من مذاهب فقهاء الأمصار . والسبب الذي دعا أبا داود والترمذي والنسائي إلى أن يذكروا في كتبهم أحاديث معللة هو احتجاج بعض أهل العلم والفقه بها ، فيوردونها ويبينون سقمها لتزول الشبهة . وقد اشتهر النسائي بشدة تحريه في الحديث والرجال، وأن شرطه في التوثيق شديد .
1 - قسَّم المؤلف الكتاب على الأبواب الفقهية، وجعل لكل باب عنوانًا، وأورد تحته ما يناسبه من أحاديث وآثار، جاء ترتيبها في الكتاب على النحو التالي: الفرائض، الوصاية، النكاح، الطلاق، الجهاد. 2 - لم يعقِّب المصنف على ما أورده من نصوص، إلا نادرًا، كما في أثر رقم(1701)، ورقم(1854)، وهي بمثابة ترجيحات مختصرة لبعض الآراء التي عرضها. 3 - لم يلتزم المصنف الصحة فيما يورده من نصوص. 4 - بلغ عدد النصوص الواردة(2791) نصًّا مسندًا، وهي تتنوع بين أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة على الصحابة والتابعين.